منذ مدة قصيرة تم الاحتفال بمرور “عشرين سنة” على توقيع اتفاق التعاون بين الدولة الاسبانية والاقليات الدينية
محمد أجانة – فبراير 2013
منذ مدة قصيرة تم الاحتفال بمرور “عشرين سنة” على توقيع اتفاق التعاون بين الدولة الاسبانية والاقليات الدينية الثلاث المعترف بها في إسبانيا، اليهودية والبروتستانت والإسلام.
وقد كان يمكن أن تكون مناسبة يستبشر بها خيرا المجتمع الاسباني بصفة عامة والمسلمون بصفة خاصة، لولا إصرار بعض الجهات على إقحام المفوضية الإسلامية في إسبانيا، المؤسسة الرسمية التي تسهر على متابعة تطبيق اتفاق التعاون في دوامة مشاكل إدارية تحت شعارات ينخدع بها كثير من الناس.
و يبقى السؤال الذي يشغل كثيرا من الناس كيف وصلنا إلى هذا المأزق؟ وكيف الخروج منه ؟
و من أجل إلقاء الضوء على هذا الأمر ومحاولة الإجابة على بعض هذه التساؤلات هناك بعض الملاحظات التي يجب أن نستصحبها معنا لمحاولة فهم هذا الواقع الضبابي.
1 المفوضية الاسلامية في اسبانيا عند تأسيسها سنة 1992، ما تم إنشاؤها إلا لتوقيع الاتفاق ومتابعة تطبيقه أمام الدولة الاسبانية، كباقي الاقليات الدينية الأخرى التي تم الاعتراف بها، والإدارة الاسبانية، الطرف الآخر في المعادلة، تقوم بالاعتراف بهذا الكيان، والتعاون معه في تنفيذ بنود اتفاق التعاون.
2 مما لا شك فيه أن المجتمع الإسباني والمسلمون جزء منه عرف تغيرا ملحوظا على مستوى البنية الثقافية والاجتماعية خلال العشرين سنة الماضية، فالإحصاءات الرسمية و الصادرة عن مراكز البحوث والداراسات تؤكد على هذه التعددية الثقافية والدينية والاجتماعية، أما عن المسلمين فمن حيث العدد تضاعف عددهم من ربع مليون نسمة إلى أكثر من سبعة أضعاف خلال هذين العقدين من الزمن.
3 بالتزامن مع هذا التغيير في عدد المسلمين، تزايد عدد المساجد وعدد الجمعيات الاسلامية التي تحاول الدفاع عن حقوقهم ، بعض الاحصائات الصادرة عن مصادر مقربة من سجل الهيئات الدينية في وزارة العدل الاسبانية تتحدث عن عدد يقارب 1200 مؤسسة مسجلة لديهم، ثمانون في المائة منهم أو يزيد هم مساجد مفتوحة للعموم، والباقي جميعات وفيدراليات.
4 في بداية سنة 1992 كانت هناك جهتان تجمعان أغلب الجمعيات الاسلامية، هما فيدراليات الهيئات الدينية الإسلامية واتحاد الجمعيات الإسلامية في اسبانيا، والإثنين معا أسسا المفوضية الاسلامية في إسبانيا ووقعا اتفاق التعاون مع الدولة الاسبانية، بوجود أمينين عامين يمثلان المسلمين أمام الدولة ويوقعان ويتابعان بنود الاتفاق التي تم فيها تطبيق لبعض حقوق المسلمين.
5 بقي الأمر هكذا حتى برزت خلال السنوات الخمس الأخيرة، أصوات تطالب بتعديل قانون المفوضية يتماشى مع اللحظة التاريخية التي يعيشها المسلمون داخل المجتمع الاسباني، وأصوات أخرى تطعن في الاتفاق ذاته بدون أن تطرح بديلا، وآخرون ينكرون كل إنجاز تم خلال هذه المدة، وآخرون ومن خلال هذا الصخب والضجيج يحاولون إيجاد واقع مفتعل وافتراضي يزيد صورة الوضع تعقيدا و ضبابية.
6 عندما نتكلم عن إنجازات المفوضية يغيب عن هذا التقييم الطرف الآخر عن المعادلة ألا وهو الإدارة الاسبانية وبكامل مؤسساتها وتعقيدات هيكلتها، المركزية والجهوية والبلدية، ولكل اختصاصات معينة تؤثر في تطبيق كثير من بنود اتفاق التعاون، ويزيد الأمر تعقيدا تأثير الاحزاب السياسية وبعض الجهات المؤثرة.
7 إن من حق المسلمين في إسبانيا التساؤل عن إنجازات المفوضية وعن تقييم أعمال المسؤولين عنها، الذي هو ككل جهد بشري يشوبه القصور والخطأ والصواب، لكن وخلال التقييم يجب استصحاب جميع زوايا الموضوع والتساؤل هل كان يمكن فعل أكثر مما تم، نظرا للإمكانات والظروف المحيطة، ومن ناحية أخرى ربما هناك إخفاق من ناحية التواصل لإبراز المنجزات التي تمت خلال هذه المدة، مثل عدد المساجد التي استفادت من الاعفاء الضريبي، أو عدد التلاميذ الذين يستفيدون من تعليم الدين الاسلامي، …إلخ.
8 هناك إصرار مشبوه على نكران و تـقـزيم تلك المنجزات التي تمت ومحاولة تشويه سمعة المفوضية واتفاق التعاون ومن أجل هذه الغاية قام أصحابها باستدعاء أنواع من الحجج الباطلة والمعوجة في محاولة يائسة للقضاء عليها وكان قمة الأمر استعمال “سفسطة رجل القش straw man ” التي تقوم على تهوين الرأي الذي تتم محاورته، وذلك بإعادة بنائه على نحو يصير من اليسير نقضه …، إن الأمر يتعلق إذن بتحريف وتزييف يطال رأي الطرف الذي تتم محاورته قصد الاقتدار على كسره بأيسر سبيل. [ راجع كتاب الحجاج والمغالطة: من الحوار في العقل إلى العقل في الحوار، صفحة 33 للدكتور رشيد الراضي، طبعة دار الكتاب الجديد المتحدة]
9 إن التغيرات المتسارعة داخل المجتمع الاسباني، على جميع المستويات تحتم علينا القيام بمراجعات لأوضاع المسلمين والمؤسسات الاسلامية، بكل أطيافها، ونتساءل هل تقوم بالدور المطلوب كما يجب والأهم من ذلك هو ما هو المستقبل الذي نريده ونطمح إليه؟
10 إن مما لا شك فيه أن المفوضية تحتاج إلى تعديل دستورها ليخدم مصالح مسلمي إسبانيا والمجتمع، وهذا لن يتأتى فقط بالنية الصادقة وإخلاص القصد، وإنما يقتضي منا التفكير بشجاعة وجرأة لإصلاح الواقع الحاضر وعدم الوقوف عند الماضي والتطلع بتفاؤل إلى المستقبل.